[size=24][b]انهت السيدة منى صلاتها وطوت سجادتها الخضراء المزخرفة… ثم انتقلت مباشرة الى فراشها
الوثير في غرفتها الصغيرة تلك…كانت منى تتمنى ان تسمع صراخ طفل صغير او نداء فتاة تلعب بدمية
جميلة..ولكن.. هيهات ..هيهات ومن ذلك الطفل الذي سيصرخ او من هي تلك الطفلة التي ستبكي؟!
استلقت السيدة منى في فراشها واخذ شريط ذكرياتها يمرق بسرعة امام عينيها …تذكرت ذكريات الشباب
والسعادة…تذكرت زوجها ابو مروان الذي انتقل الى جوار ربه الكريم وفارقها في السنة الماضية…انها تدعو له
في كل صلاة ..فلقد كان هو انيسها وجليسها الوحيد كانا يجلسان مع بعضهما البعض يتذكران اجمل لحظات
حياتهما…يتذكران تلك التفاصيل الجميلة الدقيقة في حياة ابنائهم الذين لم يعودوا يعرفون عنهم شيئا……
وهاهي الان تجلس وحيدة ..تتذكر بمفردها وتبكي وتتألم لوحدها…لقد كانت دائما تكره الوحدة ولم تكن تتصور
ان هذه الوحدة ستكون مصيرها المحتوم في يوم من الايام…هاهي تتذكر كل يوم في حياة ابنائها الذين
انستهم الحياة كل شيء حتى والديهما…تتذكر دارين ابنتها الكبرى التي كانت تقول لها عندما كانت
صغيرة… : لن افارقك ابدا يا اماه فأنا احبك كثيرا وعندما اكبر واتزوج انشاء الله سأسكن بقربك…فليس
بمقدوري ان اتخلى عنك ولو لايام قليلة…!تنهمر الدموع من عيني الام المسكينة وهي تتذكر ابنتها التي
اخلفت الوعد وسافرت الى الخارج مع زوجها وهجرت امها لمدة ثلاث سنوات!!…ثلاث سنوات لم يرن فيها ذلك
الهاتف الصغير الذي يحتل زاوية ضيقة من غرفة الام…ثلاث سنوات والام لم تسمع صوت ابتها او ترى وجهها…!
اما الابن الاصغر مروان فحاله أسوا من حال اخته !!لأنه موجود في نفس البلاد ولكنه انتقل مع زوجته الى
العاصمة وترك تلك القرية الصغرية التي تسكنها عائلته…ولكن هل يعقل ان يغيب الابن عن ناظري والديه لمدة
خمس سنوات!…لا اله الا الله ما اقسى قلب فلذة كبدي…تقولها الام بحسرة و ألم والدموع تملئ عينيها
اللتان انهكتهما كثرة البكاء!…اين مروان الذي لم يكلف نفسه ويأتي لزيارة والديه في احدى العطلات مثلا او
على الاقل يرسل لهما رسالة او يطمئنهما عليه بسماعة الهاتف؟! يا خسارة تربيتي وتعبي ومعاناتي معهما…
هل نسيا كل شيء بهذه السرعة…نسيا الام الحنون والوالد الرحيم…نسيا حضن والدتهما الدافئ وقلب
والدهما الكبير بهذه السرعة ؟! ياليتني لم انجب اطفالا ياليتني حرمت من النظر الى وجه هذين الطفلين…
والله لو كان هذا حالي لكانت مصيبتي اهون من هذا بكثير!!… ياترى كيف حالهما الان هل انجبا اطفالا… لقد
كنت طوال عمري ومنذ خطبة ابنتي احلم ان يناديني طفل صغير بأسم جدتي !!!!يا الله ما احلاها من كلمة…و
ما اعذبها من معاني…ولكني حرمت حتى من كلمة امي… يعتصر الالم قلب الام عندما تتذكر ان ولديها
لايعرفان حتى الان ان والدهما العجوز قد توفي!!… وفجأة يصدر قرار غريب عن تلك الام…لقد قررت ان تنتظر
ابنائها حتى الموت…نعم لاحل لها سوى هذا..!لن تيأس ابدا من رحمة الله ستظل تدعو وتتمنى ان يعود
ابنائها الى احضان والدتهم…وستكون من اسعد الناس لو عاد الابناء وان لم يعودا فأ لآجر والثواب عند الله,
وليس امامها الا احتساب مامضى من سنين من عمرها في تربيتهم عند خالقها عز وجل…تبقى منى تنتظر
وتنتظر وتنتظر…طال الانتظار وقلبها يكاد يتفطر من شدة الشوق الى ابنائها الذين لاتعلاف لهم دربا…وفي يوم
من الايام تسمع الام العجوز اصوات دقات متفرقة على بابها وكأن احدهم يحاول فتح الباب…لم تصدق منى
اذنيها …معقول ؟!!هل عادا بعد كل هذه السنين …؟!! تمسك بعصاها الخشبية وتنطلق نحو باب بيتها…
وتسقط مرتين من شدة اسراعها الى الباب…تفتح الباب بسرعة وذهول …تنظر يمنة ويسرة … لا احد !…هل
كانت تتوهم …ام ان الخرف اصابها فأصبحت تتخيل اشياء لم تحدث…فجأة ترمق منى الارض بنظرة لا
ارادية……واذا بها ترى ..قطة!!!هل هذا يعقل؟! هل هذه هي التي كانت تحاول فتح الباب!… تقول منى في
نفسها :- يبدو انني مهما انتظرت فلن يطرق بابي من انتظر!!ثم انحنت على ركبتيها وربتت على رأس القطة
الصغيرة بحنان ورقة …وحملتها بين كفيها ودخلت بها الى بيتها الصغير…وهي تقول في نفسها…هذه القطة
المسكينة لاتجد من يعتني بها ..لقد تركتها امها…وانا لا اجد من يسليني ويؤنس وحدتي …لقد هجرني
اولادي…فلماذا لا اعتني بها واجعلها انيستي في هذه الدنيا…واحتسب الثواب فيها عند رب العالمين……ثم
انزلقت دمعة حزينة من عينيها وقالت بصوت بائس متهدج:-لم تنفع التربية في فلذه كبدي الذين اخرجتهم من
بطني ….ولكن ربما تجدي مع قطة صغيرة مسكينة تائهة في شوارع القرية!!
تمنياتي بقراءة ممتعة لكم..
]