BlueMirage مشرف
عدد الرسائل : 222 العمر : 34 العمل : طالب الدولة : مصر تاريخ التسجيل : 01/09/2008
| موضوع: من روائع نزار قباني (هذه البلاد شقة مفروشة) الثلاثاء نوفمبر 18, 2008 12:59 pm | |
| هـذي البـلادُ شـقَّـةٌ مَفـروشـةٌ ، يملُكُها شخصٌ يُسَمّى عَنترةْ… يسـكَرُ طوالَ الليل عنـدَ بابهـا ، و يجمَعُ الإيجـارَ من سُكّـانهـا .. وَ يَطلُبُ الزواجَ من نسـوانهـا ، وَ يُطلقُ النـارَ على الأشجـار … و الأطفـال … و العيـون … و الأثـداء …والضفـائر المُعَطّـرَهْ ... هـذي البـلادُ كلُّهـا مَزرَعَـةٌ شخصيّـةٌ لعَنـترَهْ … سـماؤهـا .. هَواؤهـا … نسـاؤها … حُقولُهـا المُخضَوضَرَهْ … كلُّ البنايـات – هنـا – يَسـكُنُ فيها عَـنتَرَهْ … كلُّ الشـبابيك علَيـها صـورَةٌ لعَـنتَرَهْ … كلُّ الميـادين هُنـا ، تحمـلُ اسـمَ عَــنتَرَهْ … عَــنتَرَةٌ يُقـيمُ فـي ثيـابنـا … فـي ربطـة الخـبز … و فـي زجـاجـة الكُولا ، وَ فـي أحـلامنـا المُحتَضـرَهْ ... مـدينـةٌ مَهـجورَةٌ مُهَجّـرَهْ … لم يبقَ – فيها – فأرةٌ ، أو نملَـةٌ ، أو جدوَلٌ ، أو شـجَرَهْ … لاشـيء – فيها – يُدهشُ السّـياح إلاّ الصـورَةُ الرسميّـة المُقَرَّرَهْ .. للجـنرال عَــنتَرَهْ … فـي عرَبـات الخَـسّ ، و البـطّيخ … فــي البـاصـات ، فـي مَحطّـة القطـار ، فـي جمارك المطـار.. فـي طوابـع البريـد ، في ملاعب الفوتبول ، فـي مطاعم البيتزا … و فـي كُلّ فئـات العُمـلَة المُزَوَّرَهْ … فـي غرفَـة الجلوس … فـي الحمّـام .. فـي المرحاض .. فـي ميـلاده السَـعيد ، فـي ختّـانه المَجيـد .. فـي قُصـوره الشـامخَـة ، البـاذخَـة ، المُسَـوَّرَهْ … مـا من جـديدٍ في حيـاة هـذي المـدينَـةُ المُسـتَعمَرَهْ … فَحُزنُنـا مُكّرَّرٌ ، وَمَوتُنـا مُكَرَّرٌ ،ونكهَةُ القهوَة في شفاهنـا مُكَرَّرَهْ … فَمُنذُ أَنْ وُلدنـا ،و نَحنُ مَحبوسُونَ فـي زجـاجة الثقافة المُـدَوَّرَهْ … وَمُـذْ دَخَلـنَا المَدرَسَـهْ ،و نحنُ لانَدرُسُ إلاّ سيرَةً ذاتيّـةً واحـدَهً … تـُخبرنـا عـن عَضـلات عَـنتَرَهْ … وَ مَكـرُمات عَــنتَرَهْ … وَ مُعجزات عَــنتَرَهْ … ولا نرى في كلّ دُور السينما إلاّ شريطاً عربيّاً مُضجراً يلعبُ فيه عَنتَرَهْ … لا شـيء – في إذاعَـة الصـباح – نهتـمُّ به … فـالخـبَرُ الأوّلُــ – فيهـا – خبرٌ عن عَــنترَهْ … و الخَـبَرُ الأخـيرُ – فيهـا – خَبَرٌ عن عَــنتَرَهْ … لا شـيءَ – في البرنامج الثـاني – سـوَى : عـزفٌ – عـلى القـانون – من مُؤلَّفـات عَــنتَرَهْ … وَ لَـوحَـةٌ زيتيّـةٌ من خـربَشــات عَــنتَرَهْ ... و بـاقَـةٌ من أردَئ الشـعر بصـوت عـنترَهْ … هذي بلادٌ يَمنَحُ المُثَقَّفونَ – فيها – صَوتَهُم ،لسَـيّد المُثَقَّفينَ عَنتَرَهْ … يُجَمّلُونَ قـُبحَهُ ، يُؤَرّخونَ عصرَهُ ، و ينشُرونَ فكرَهُ … و يَقـرَعونَ الطبـلَ فـي حـروبـه المُظـفَّرَهْ … لا نَجـمَ – في شـاشَـة التلفـاز – إلاّ عَــنتَرَهْ … بقَـدّه المَيَّـاس ، أو ضحكَـته المُعَبـرَهْ … يـوماً بزيّ الدُوق و الأمير … يـوماً بزيّ الكادحٍ الفـقير … يـوماً عـلى طـائرَةٍ سَـمتيّـةٍ .. يَوماً على دبّابَة روسيّـةٍ … يـوماً عـلى مُجَـنزَرَهْ … يـوماً عـلى أضـلاعنـا المُكَسَّـرَهْ … لا أحَـدٌ يجـرُؤُ أن يقـولَ : " لا " ، للجـنرال عَــنتَرَهْ … لا أحَـدٌ يجرؤُ أن يسـألَ أهلَ العلم – في المدينَة – عَن حُكم عَنتَرَهْ … إنَّ الخيارات هنا ، مَحدودَةٌ ،بينَ دخول السَجن ،أو دخول المَقبَرَهْ .. لا شـيء فـي مدينَة المائة و خمسين مليون تابوت سوى … تلاوَةُ القُرآن ، و السُرادقُ الكبير ، و الجنائز المُنتَظرَهْ … لا شيء ،إلاَّ رجُلٌ يبيعُ - في حقيبَةٍ - تذاكرَ الدخول للقبر ، يُدعى عَنتَرهْ … عَــنتَرَةُ العَبسـيُّ … لا يَترُكنـا دقيقةً واحدَةً … فـ مَرّةَ ، يـأكُلُ من طعامنـا … و َمـرَّةً يشرَبُ من شـرابنـا … وَ مَرَّةً يَندَسُّ فـي فراشـنا … وَ مـرَّةً يزورُنـا مُسَـلَّحاً … ليَقبَضَ الإيجـار عن بلادنـا المُسـتأجَرَهْ
| |
|
سلطان الغرام امير الواحه
عدد الرسائل : 889 العمر : 35 العمل : ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الدولة : مصر تاريخ التسجيل : 22/09/2008
| موضوع: رد: من روائع نزار قباني (هذه البلاد شقة مفروشة) الثلاثاء ديسمبر 09, 2008 11:41 am | |
| | |
|