• مشاهد مرعبة:
في ليلة خليجية ساخنة خرقت أحمد ثلاث رصاصات همجية فتهاوى فوق الشبح الإسفلتي الداكن ناثراً قصاصات الأوراق في الهواء المثقل بالرطوبة ورائحة النفط الخانقة. ينابيع دم ثلاثة اندفعت من جسده من رحم الأرض باحثة عن حقول القمح العطشى مشكلةً أنهار أبدية الجريان تتهادى فوق روحها سفن بيضاء مزينة بنظرات الأطفال الأرجوانية وهم يرددون بصوت ساحر أنشودة الإنسان منذ مقتل هابيل وامتداداً للحظة الحاضرة وارتحالاً نحو سرمدية الوجود.على دوي طبول قادم من المجهول أدى رقصته الأفريقية العنيفة مدققاً بالوجوه الموميائية التي ابتلعت القرون وهي متحجرة في معبد أبي سنبل. جاب بعيني صقر جريح الهياكل الوثنية المتكررة حوله ملتمساً ملامح حادة نحتتها أحزان رغيف تداخل بدائرية القمر المذهلة فأبعد بنوره الصوفي فجراً لازوردياً تسرب إلى أعماق أحلام العاشقين عن المدن الرملية الصامتة.
• بحث مضن:
أبن أنت أيها الوجه الإنساني المنحوت من احتراق السنابل ومن هزل القطط التي تموء في الأزقة المتناثرة حول أطراف مدينتنا ذات السبعة والستين وجهاً خرافياً مرعباً.منذ بدأ التاريخ وأنا أبحث عنك بين الهياكل الوثنية أحملق فيك لحظات أضن أنك لن تغيبي عني ولكنك تنسّل من بين الوجوه كشبح بوذي هارب من صمت القبور الدوارس.أريد أن أغرز نظراتي في عينيك علني أوغّل في صدرك سر استمرار الحياة وبرغم الآلام الرهيبة التي تعصف بجسدي واندلاع الدم الساخن خارج شراييني ما زلت أشعر بالنور الملتهب المنبعث من عيني باحثاً عنك في الأحياء التي تفوح برائحة دخان السنابل المحترقة وفي الأقبية المزدحمة بالزنزانات المتعفنة ذات القضبان الفولاذية والأقفال الضخمة المغطاة بالصدأ على الرغم من كثرة استعمالها أبحث عنك في قطرات الدم المتراشقة في مذبح هبل وبين حطام السفن المتراكمة في قاع البحر الميت سأوغل النور في جسدك ولو صارعت الألم إلى نهاية العالم.
• تداخل:
أتغلغل بشوق مصحوب بالخوف محاولاً الوصول لقلب الدائرة العفوية التي شكلها الأجساد. أنزلق من بين الازدحام كقط جائع يتسلل من شرخٍ في باب خشبي أوجدته سنون الخوف والمتعة والتقزز أسحب أنفاسي فتتسرب إلى أنفي روائح متمازجة…. خمور…. عرق متعبين….. دم بشري…عطر فرنسي حاد أستنشقه بقوة فيسري في جسدي موقظاً هواجسي وشهواتي الشرقية الشرهة يجس أنفي مصدره كانسان يشمشم العظام بين النفايات… أحشر جسد بين الموجودات نحو منبع العطر فيعانق أنفي جسداً ينضج بالأنوثة أعبّ رائحته… ألتصق به… أتلمسه يا ألهي أنه مكتنز ودافئ. وجسدي ينتفض شبقاً فأغرق في غيبوبة اللذّة.. تصفع أذني صرخة ألم مدوية فتتصلب أعضائي إلى درجة تفقد فيها إحساساتها فأنتفض من ذهولي أنه أحمد. أزج جسدي بعنف حتى أصل لمركز الدائرة فتتعانق نظراتنا أشعر بوهج يخرج من عينيه يبهرني ويسري في جسدي محركاً خلاياي النائمة والميتة ينحسر النور شيئاً فشيئاً حتى يخبو فيلقي برأسه فوق الإسفلت الحزين وتأخذ الدائرة بالتبعثر من نكزات قبضات البنادق انسحب بخطوات مهترئة وأسير مهزوماً وسط الأزقة السوداء المهدمة هذيان عجيب يندفع من أعماقي ولا أقوى على كبته ((أحمد أنت الموت في رهبته والحب في قدسيته والارتحال القسري نحو العوالم المجهولة. 5كدم الحسين أنت تحمل أزلية الوجود وكأنك الله في جبروته لأنك الإنسان في جوهره والأرض في خصوبتها)).
• سقوط:
قدمان متعبان يحرجان أذيال الخيبة وانتكاسات زمن الخوف وبقايا أشياء مبعثرة وملامح سرابية مشوهة. وميض من النور يتداخل بين الخلايا الهزلية يتوسع برهة ويتقلص… يتقلص… فتتضاءل حزمة الضوء حتى تبدو وكأنها تخرج من خرم إبرة. أزيز الرصاصات الثلاث يخترق الحواجز الوهمية ويثقب الذاكرة فتندلع الصور المرسومة بالدم وتمتزج بالجسد المرتجف لتزيد من نزيف الأيام المنصهرة في الماضي.يترنح الرأس عبر الاتجاهات الأربعة مثقلاً بهموم السنين وأحزان الليالي المظلمة أزحف كجرذ هرم مصاب بالطاعون ملتصقاً بجدران الأزقة المنهارة متجهاً نحو غرفتي العجوز التي تنضح بالرطوبة والتأوهات المتحشرجة أدفع بابها الخشبي فيئن وجعاً وأعبر عتباتها المقدسة ملقياً بنفسي فوق السرير الحديدي فيصعد الدم بجريان سريع نحو رأسي وتدور الصور المزدحمة في مخيلتي.. ردفان مكتنزان… رقبة ممشوقة دافئة…. ساقان عاجيان وتعاود أنفي رائحة العطر الفرنسي وتتحرك أصابعي باحثة عن كهف اللذة بارتعاشات شرهة وتخترق نظرات أحمد وعيناه العقل الضائع توخزه بقوة فينتفض جنوناً ويغرق الجسد المحموم في بحر هائج من الوجد والشهوة الملتهبة كنار مجوسية مستعرة ويهتز الجسد بتصلب حاد فوق الفراش القطني الممزق اهتزازات تحرك جدران الغرفة فيرتفع صرير السرير بتسارع مرعب وتتداخل الذكريات مشكلة خليطاً لا معقولاً. يستمر الجسد بالتقلص والارتخاء بسرعة تبق حركة الضوء أرتعش بنشوة اللذة الشبقة وأنتفض انتفاضات هستيرية يسترخي بعدها جسدي وتغمض عيناي وأغفو هارباً من الحقيقة والإنسان والوجود.